خاتمة ظاهرة الشعر الحديث : مفهوم الحداثة في الشعر

خاتمة ظاهرة الشعر الحديث :  مفهوم الحداثة في الشعر



خاتمة ظاهرة الشعر الحديث : مفهوم الحداثة في الشعر



نموذج محلّل لقولة مُقتطفة من مؤلف نقدي: ظاهرة الشعر الحديث، لأحمد المعداوي المجاطي


للسنة الثانية من سلك الباكالوريا – مسلك الآداب والعلوم الإنسانية







ورد في كتاب "ظاهرة الشعر الحديث" لأحمد المعداوي المجاطي ما يلي :

"الواقع هو أننا نعتبر الحداثة أهمّ العوامل التي أدت إلى رمي الشعر الحديث بتهمة الغموض، ولو خالفنا في ذلك الدكتور شكري محمد عياد الذي يذهب إلى أن : "تعليل الغموض في الشعر بالحداثة نفسها، ليس بالتعليل المقنع، بل هو أدنى إلى أن يكون إزاحة للمشكلة منه إلى أن يكون تفسيراً لها أو حلاًّ"....".

ظاهرة الشعر الحديث، شركة النشر والتوزيع "المدارس" - الدار البيضاء، الطبعة الثانية / 2007، ص : 263.

انطلق من هذه القولة، واكتب موضوعاً متكاملاً، تنجز فيه ما يلي :

• ربط القولة بسياقها العام داخل المؤلف.
• تحديد مفهوم الحداثة في الشعر من خلال قراءتك للمؤلف.
• المقارنة بين موقف كل من أحمد المجاطي، وشكري محمد عياد فيما يتعلق بالعلاقة بين ظاهرة الغموض في الشعر وبين الحداثة.






التحليل

كانت محاولة استقصاء مفهوم الحداثة، وتطوره، وتجلياته في الشعر الحديث القضية المحورية التي انشغل بها أحمد المجاطي في كتابه "ظاهرة الشعر الحديث"، فقد ابتدأ كتابه بالحديث عن التطور التدريجي للشعر العربي، وأنهاه بمناقشة مسألة الحداثة في علاقتها بالغموض الشعري، وفي هذا السياق (خاتمة الكتاب) تندرج القولة السابقة. وبين مقدمة الكتاب وخاتمته، قدم لنا المجاطي حيثيات وعوامل ومظاهر الحداثة.
فكيف تجلى هذا المفهوم عند المجاطي؟ وما هي عوامله ومظاهره؟ وما مدى مساهمة الحداثة الشعرية في إضفاء طابع الغموض على النص الشعري الحديث؟ وما الفرق بين نظرته للحداثة في علاقتها بالغموض، وبين نظرة شكري محمد عياد؟


يضع المجاطي الحداثة في علاقة ضدية مع مفهوم التقليد، ويرى أن الانتقال من التقليد إلى التحديث أو التجديد يظل مرهونا بشرطين هما : الاحتكاك الفكري مع الثقافات الأجنبية، وتوفر الشعراء على قدر من الحرية. وهذان الشرطان متلازمان، : "فالاحتكاك الثقافي وحده لا يملك أن يخلق حركة شعرية تجديدية، ما لم يتوفر للشعراء قدر مناسب من الحرية". (ظاهرة الشعر الحديث، ص 6/7.). وهكذا وقف المجاطي عند مختلف الروافد الفكرية التي استند إليها الشعراء المحدثون، والتي ساعدتهم على تطوير الشعر العربي؛ ففضلا عن انفتاحهم على الأساطير القديمة : اليونانية، والبابلية، والفينيقية... كان هؤلاء الشعراء على صلة بمجموعة من الشعراء والأدباء الغربيين من أمثال : إليوت، وألبير كامو، وجان بول سارتر... وبما أن التجديد يقاس أيضاً بمقدار الحرية التي يحصلها الشعراء، فقد سجل المجاطي محدودية التجديد الذي حققه التيار الشعري الذاتي (جماعة الديوان، والرابطة القلمية، وجماعة أبولو) نظراً لهيمنة الوجود العربي التقليدي، وهذا خلافا لحركة الشعر الحديث التي استطاعت أن تقطع أشواطاً بعيدة في التجديد، لأنها : "واجهت الوجود العربي التقليدي بعد أن انهار وزالت صبغة القداسة عنه" (نفسه، ص 7/8)، وذلك بفعل الهزات العنيفة التي تعرض لها، أهمها نكبة فلسطين سنة 1948. إن هذه العوامل مجتمعة (الروافد الفكرية الأجنبية، والحرية، وتحولات الواقع)، هي التي تشكل حوافز التجديد والحداثة بالنسبة للمجاطي.
أما عن مظاهر الحداثة في الشعر كما رصدها المجاطي، فيمكن مقاربتها من جانبين أساسين : جانب موضوعاتي، وجانب شكلي.

بالنسبة للجانب الأول سجل المجاطي تخلص شعراء الحداثة من الموضوعات التقليدية، وبلورتهم لموضوعات جديدة، جاءت وليدة لمعاناتهم النفسية، ولمعايشتهم للواقع العربي المرير المغلف بالهزيمة، والتخلف، والقهر... ومن هذه الموضوعات وقف المجاطي عند موضوعة الغربة والضياع، وموضوعة الموت والحياة، محللا تجلياتهما عند شعراء الحداثة، مسجلا فرادة تجربة الشاعر الحديث، مقارنة مع شعراء التيارات السابقة؛ وهكذا فإذا كان شعراء المهجر قد عبروا عن تجربة الموت والحياة، فإن طريقة تناولهم لها لم ترق إلى المستوى الذي تناوله بها شعراء الحداثة : "فبإيثار الشاعر المهجري الحياة السهلة على معاناة الموت، فقدت تجربته الصلة بالواقع الحضاري للأمة، ولم يبق لموته من معنى... خلافاً لما نجده عند الشاعر الحديث، الذي يرتبط عنده الموت والبعث، بموت الذات والحضارة معا" (نفسه، ص 113).

أما المظهر الثاني من مظاهر الحداثة، فيتمثل في الشكل، وهكذا خصّص المجاطي الفصل الرابع من كتابه "ظاهرة الشعر الحديث" لدراسة "الشكل الجديد"، معتبرا التجديد في الشكل نتيجة حتمية للرغبة في التجديد على مستوى المضامين والتجارب الشعرية، وهكذا وقف المجاطي عند ثلاثة مظاهر للحداثة الشكلية هي : اللغة، والتصوير البياني، والإيقاع؛ مسجلاً تأرجح الشعراء بين استعمال لغة الحديث اليومي تارة، والانزياح عنها تارة أخرى، مؤكدا على السياق الدرامي للغة الشعر الحديث، والذي يجعل منها تعبيرا عن الصوت الداخلي للذات المبدعة. أما على مستوى الموسيقى فأهم ما وقف المجاطي عنده تكسير شعراء الحداثة لنظام الشطرين، باعتماد شعر التفعيلة، أو السطر الشعري، هذا الأخير الذي يظلّ خاضعاً للدفقة الشعورية الصادرة عن الشاعر. أما على مستوى الصورة فقد لاحظ الناقد تحرر الشاعر الحداثي من سلطة الصور البيانية التقليدية، وبناءه قصيدته على أساس صور تخييلية تجريدية، يصعب الإمساك بمكوناتها.

ولعل ما سبق يجرنا إلى إثارة القضية الأساسية التي تناولتها القولة التي نحللها في هذا الموضوع، وهي قضية الغموض في علاقتها بقضية الحداثة، فمن المعلوم أن من أهم الصفات التي نعت بها الشعر الحديث، هي صفة الغموض، الناجمة عن صعوبة فك رموز وشفرات القصيدة الحديثة، وصعوبة تأويلها من طرف المتلقي، هذا الأخير الذي أصبح مطالبا بالتسلح بثقافة عالية لأجل التواصل مع الشعر الحديث. ونلاحظ أن المجاطي يرى الحداثة بمختلف عناصرها المضمونية والشكلية هي التي ساهمت في إضفاء طابع الغموض على الشعر الحديث، وهذا ما عبر عنه بوضوح في المقدمة التي خصصها للفصل الرابع المتعلق بالشكل الجديد، حيث قال : "فقد استطاع الشكل الشعري الحديث بعد عشرين سنة من النمو، أن يتجاوز الشكل القديم، وأقام بين نفسه وبينه جداراً يصعب على قارئ الشعر أن يتخطاه ما لم يلم إلماماً حسناً بالتحولات الثورية التي أصابت العناصر الأساسية للشكل الشعري، كاللغة والإيقاع والتصوير البياني، وما نتج عن تحولاتها مجتمعة من تغير في سياق القصيدة وفي بنائها العام" (نفسه، ص 201).

إن التفسير السابق لظاهرة الغموض في الشعر، قد ووجه بالرفض والانتقاد من طرف الناقد شكري محمد عياد، فهو كما جاء في القولة، يرى بأن إرجاع ظاهرة الغموض إلى الحداثة نفسها ليس بالتعليل المقنع، ويعتبره بمثابة تهرب من إيجاد تبرير مناسب وصحيح لظاهرة الغموض. وبرجوعنا إلى تتمة ما أثبته المجاطي في الخاتمة التي اقتطفت منها هذه القولة، نجد أن شكري عياد يرجع الغموض، إلى عوامل لها ارتباط بالعلاقة التي تجمع بين النص والمتلقي، حيث يقدم النص الشعري الحديث للمتلقي "ما لا يتوقعه، وما لا يتوق إليه، وإن كان يحسه".
وقد حاول المجاطي تفسير رأي شكري عياد في الاتجاه الذي يتطابق مع رأيه - أي إرجاع الغموض إلى الحداثة نفسها - فقال في سياق استفهامي تقريري : "ونحن نسأل الدكتور [شكري عياد] عن هذا الذي (يحسه ولا يتوقعه) أليس هو المشاعر الجديدة والأفكار الجديدة التي نحسها لأنها خلاصة تجربتنا من الحياة الجديدة، ولا نتوقعها لأنها لا تتصل بما هو مألوف ومعروف ومتوقع من تجارب سابقة أو تقليدية؟" (نفسه، ص 263). وفي رد على شكري عياد دائما يضيف المجاطي عاملاً آخر من عوامل الغموض الشعري، مستمدا إياه من الناقد الأمريكي تشارلز، وهو أن الشعر الجيد عادة ما يكون مبهماً في تأثيره الأول، وذلك ما ينطبق على الشعر الحديث.



ويمكن أن نؤكد في الأخير مدى وجاهة الرأي الذي قدمه المجاطي فيما يتعلق، بظاهرة الغموض، فالحداثة باعتبارها تقديما لما هو غير مألوف، وخرقها لأفق انتظار القارئ، لا يمكنها إلا أن تطبع النص بطابع الغموض، وتضع أمام القارئ عراقيل عديدة لفهم القصيدة، ونستدل في هذا الصدد بقولة بودلير الشهيرة: "الجميل غريب دائماً".
يضاف إلى ذلك أن الشعر الحديث يظل شعراً متعاليا على الزمان والمكان، باعتباره شعرا متوجها إلى المستقبل، وهذا يفترض قارئاً مثقفا متعاليا على زمانه، قادراً على الإمساك بالعوالم الممكنة التي يتوق الشعر الحديث إلى معانقتها.







حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-